فصل: ثم دخلت سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر ملك الترك بخارى

في هذه السنة ملك مدينة بخارى شهاب الدولة هارون بن سليمان ايلك المعروف ببغراخان التركي وكان له كاشغر وبلاساغون إلى حد الصين‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا الحسن بن سيمجور لما مات وولي ابنه أبو علي خراسان بعده كاتب الأمير الرضي نوح بن منصور يطلب أن يقره على ما كان أبوه يتولاه فأجيب إلى ذلك وحملت إليه الخلع وهو لا يشك أنها له فلما بلغ الرسول طريق هراة عدل إليها وبها فائق فأوصل الخلع والعهد بخراسان إليه فعلم أبو علي أنهم مكروا به وأن هذا دليل سوء يريدونه به فلبس فائق الخلع وسار عن هراة نحو أبي علي فبلغه الخبر فسار جريدة في نخبة أصحابه وطوى المنازل حتى سبق خبره فأوقع بفائق فيما بين بوشنج وهراة فهزم فائقًا وأصحابه وقصدوا مرو الروذ‏.‏

وكتب أبو علي إلى الأمير نوح يجدد طلب ولاية خراسان فأجابه إلى ذلك وجمع له ولاية خراسان جميعها بعد أن كانت هراة لفائق فعاد أبو علي إلى نيسابور ظافرًا وجبى أموال خراسان فكتب إليه نوح يستنزله عن بعضها ليصرفه في أرزاق جنده فاعتذر إليه ولم يفعل وخاف عاقبة المنع فكتب إلى بغراخان المذكور يدعوه إلى أن يقصد بخارى ويملكها على السامانية وأطمعه فيهم واستقر الحال بينهما على أن يملك بغراخان ما وراء النهر كله ويملك أبو علي خراسان فطمع بغراخان في البلاد وتجدد له إليها حركة‏.‏

وأما فائق فإنه أقام بمرو الروذ حتى انجبر كسره واجتمع إليه أصحابه وسار نحو بخارى من غير إذن فارتاب الأمير نوح به فسير إليه الجيوش وأمرهم بمنعه فلما لقوه قاتلوه فانهزم فائق وأصحابه وعاد على عقبيه وقصد ترمذ‏.‏

فكتب الأمير نوح إلى صاحب الجوزجان من قبله وهو أبو الحرث أحمد بن محمد الفريغوني وأمره بقصد فائق فجمع جمعًا كثيرًا وسار نحوه وكاتب أيضًا بغراخان يطمعه في البلاد فسار نحو بخارى وقصد بلاد السامانية فاستولى عليها شيئًا بعد شيء‏.‏

فسير إليه نوح جيشًا كثيرًا واستعمل عليهم قائدًا كبيرًا من قواده اسمه انج فلقيهم بغراخان فهزمهم وأسر انج وجماعة من القواد فلما ظفر بهم قوي طمعه في البلاد وضعف نوح وأصحابه وكاتب الأمير نوح أبا علي بن سيمجور يستنصره ويأمره بالقدوم إليه بالعساكر فلم يجبه إلى ذلك ولا لبى دعوته وقوي طمعه في الاستيلاء على خراسان‏.‏

وسار بغراخان نحو بخارى فلقيه فائق واختص به وصار في جملته ونازلوا بخارى فاختفى الأمير نوح وملكها بغراخان ونزلها وخرج نوح منها مستخفيًا فعبر النهر إلى آمل الشط وأقام بها ولحق به أصحابه فاجتمع عنده منهم جمع كثير وأقاموا هناك‏.‏

وتابع نوحٌ كتبه إلى أبي علي ورسله يستنجده ويخضع له فلم يصغ إلى ذلك‏.‏

وأما فائق فإنه استأذن بغراخان في قصد بلخ والاستيلاء عليها فأمره بذلك فسار نحوها ونزلها‏.‏

  ذكر عود نوح إلى بخارى وموت بغراخان

لما نزل بغراخان بخارى وأقام بها استوخمها فلحقه مرض ثقيل فانتقل عنها نحو بلاد الترك

فلما فارقها ثار أهلها بساقة عسكره ففتكوا بهم وغنموا أموالهم ووافقهم الأتراك الغزية على النهب والقتل لعسكر بغراخان‏.‏

فلما سار بغراخان عن بخارى أدركه أجله فمات ولما سمع الأمير نوح بمسيره عن بخارى بادر إليها فيمن معه من أصحابه فدخلها وعاد إلى دار ملكه وملك آبائه وفرح أهلها به وتباشروا بقدومه‏.‏

وأما بغراخان فإنه لما مات عاد أصحابه إلى بلادهم وكان دينًا خيرًا عادلًا حسن السيرة محبًا للعلماء وأهل الدين مكرمًا لهم وكان يحب أن يكتب عنه‏:‏ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أمر الترك بعده أيلك خان‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة كثر شغب الديلم على بهاء الدولة ونهبوا دار الوزير أبي نصر ابن سابور واختفى منهم واستعفى ابن صالحان من الأنفراد بالوزارة فأعفي واستوزر أبا القاسم علي بن أحمد ثم هرب وعاد سابور إلى الوزارة بعد أن أصلح الديلم‏.‏

وفيها جلس القادر بالله لأهل خراسان بعد عودهم من الحج وقال لهم في معنى الخطبة له

وفيها عقد النكاح للقادر على بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار وكان العقد بحضرته والولي النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي وماتت قبل النقلة‏.‏

وفيها كان بالعراق غلاء شديد فبيعت كارة الدقيق بمائتين وستين درهمًا وكر الحنطة بستة آلاف وستمائة درهم غياتية‏.‏

وفيها بنى أبو نصر سابور بن أردشير ببغداد دارًا للعلم ووقف فيها كتبًا كثيرة على المسلمين المنتفعين بها‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الماسرجسي الفقيه الشافعي شيخ أبي الطيب الطبري بنيسابور وأبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر‏.‏

وأبو طالب عبد السلام بن الحسن المأموني وهو من أولاد المأمون وكان فاضلًا حسن الشعر‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وثمانين وثلاثمائة

  ذكر ولاية محمود بن سبكتكين خراسان وإجلاء أبي علي عنها

في هذه السنة ولى الأمير نوح محمود بن سبكتكين خراسان وكان سبب ذلك أن نوحًا لما عاد إلى بخارى على ما تقدم ذكره سقط في يد أبي علي وأما فائق فإنه لما استقر نوح ببخارى حدث نفسه بالمسير إليه والاستيلاء عليه والحكم في دولته فسار عن بلخ إلى بخارى‏.‏

فلما علم نوح بذلك سير إليه الجيوش لترده عن ذلك فلقوه واقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم فائق وأصحابه ولحقوا بأبي علي ففرح بهم وقوي جنانه بقربهم واتفقوا على مكاشفة الأمير نوح بالعصيان فلما فعلوا ذلك كتب الأمير نوح إلى سبكتكين وهو حينئذ بغزنة يعرفه الحال ويأمره بالمسير إليه لينجده وولاه خراسان‏.‏

وكان سبكتكين في هذه الفتن مشغولًا بالغزو غير ملتفت إلى ما هم فيه فلما أتاه كتاب نوح ورسوله أجابه إلى ما أراد وسار نحو جريدة واجتمع به وقررا بينهما ما يفعلانه وعاد سبكتكين فجمع العساكر وحشد‏.‏

فلما بلغ أبا علي وفائقًا الخبر جمعا وراسلا فخر الدولة بن بويه يستنجدانه ويطلبان منه عسكرًا فأجابهما إلى ذلك وسير إليهما عسكرًا كثيرًا وكان وزيره الصاحب بن عباد هو الذي قرر القاعدة في ذلك‏.‏

وسار سبكتكين من غزنة ومعه ولده محمود نحو خراسان وسار نوح فاجتمع هو وسبكتكين فقصدوا أبا علي وفائقًا فالتقوا بنواحي هراة واقتتلوا فانحاز دارا بن قابوس بن وشمكير من عسكر أبي علي إلى نوح ومعه أصحابه فانهزم أصحاب أبي علي وركبهم أصحاب سبكتكين يأسرون ويقتلون ويغنمون وعاد أبو علي وفائق نحو نيسابور وأقام سبكتكين ونوح بظاهر هراة حتى استراحوا وساروا نحو نيسابور فلما علم بهم أبو علي سار هو وفائق نحو جرجان وكتبا إلى فخر الدولة بخبرهما فأرسل إليهما الهدايا والتحف والأموال وأنزلهما بجرجان‏.‏

واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين ولقبه سيف الدولة ولقب أباه سبكتكين ناصر الدولة فأحسنا السيرة وعاد نوح إلى بخارى وسبكتكين إلى هراة وأقام محمود بنيسابور‏.‏

  ذكر عود الأهواز إلى بهاء الدولة

في هذه السنة ملك بهاء الدولة الأهواز‏.‏ وكان سببه أنه أنفذ عسكرًا إليها عدتهم سبع مائة رجل وقدم عليهم طغان التركي فلما بلغوا السوس رحل عنها أصحاب صمصام الدولة فدخلها عسكر بهاء الدولة وانتشروا في أعمال خوزستان وكان أكثرهم من الترك فعلت كلمتهم على الديلم وتوجه صمصام الدولة إلى الأهواز ومعه عساكر الديلم وتميم وأسد‏.‏

فلما بلغ تستر رحل ليلًا ليكبس الأتراك من عسكر بهاء الدولة فضل الأدلاء في الطريق فأصبح على بعدٍ منهم ورأتهم طلائع الأتراك فعادوا بالخبر فحذروا واجتمعوا واصطفوا وجعل مقدمهم واسمه طغان كمينًا فلما التقوا واقتتلوا خرج الكمين على الديلم فكانت الهزيمة وانهزم صمصام الدولة ومن معه من الديلم وكانوا ألوفًا كثيرة واستأمن منهم أكثر من ألفي رجل وغنم الأتراك من أثقالهم شيئًا كثيرًا‏.‏

وضرب طغان للمستأمنة خيمًا يسكنونها فلما نزلوا اجتمع الأتراك وتشاوروا وقالوا‏:‏ هؤلاء أكثر من عدتنا ونحن نخاف أن يثوروا بنا واستقر رأيهم على قتلهم فلم يشعر الديلم إلا وقد ألقيت الخيام عليهم ووقع الأتراك فيهم بالعمد حتى أتوا عليهم فقتلوا كلهم‏.‏

وورد الخبر على بهاء الدولة وهو بواسط قد اقترض مالًا من مهذب الدولة فلما سمع ذلك سار إلى الأهواز وكان طغان والأتراك قد ملكوها قبل وصوله إليها‏.‏

وأما صمصام الدولة فإنه لبس السواد وسار إلى شيراز فدخلها فغيرت والدته ما عليه من السواد وأقام يتجهز للعود إلى أخيه بهاء الدولة بخوزستان‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عقد النكاح لمهذب الدولة على ابنة بهاء الدولة وللأمير أبي منصور بويه بن بهاء الدولة على ابنة مهذب الدولة وكان الصداق من كل جانب مائة ألف دينار‏.‏

وفيها عاد الحجاج من الثعلبية ولم يحج من العراق والشام أحد وسبب عودهم أن الأصيفر أمير العرب اعترضهم وقال‏:‏ إن الدراهم التي أرسلها السلطان عام أول كانت نقرة مطلية وأريد العوض فطالت المخاطبة والمراسلة وضاق الوقت على الحجاج فرجعوا‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم النقيب الزينبي وولي النقابة بعده ابنه أبو الحسن‏.‏

وفيها ولي نقابة الطالبيين أبو الحسن النهرسابسي وعزل عنها أبو أحمد الموسوي وكان ينوب عنه فيها ابناه المرتضى والرضي‏.‏

وفيها توفي عبدالله بن محمد بن نافع بن مكرم أبو العباس البستي الزاهد وكان من الصالحين حج من نيسابور ماشيًا وبقي سبعين سنة لا يستند إلى حائط ولا إلى مخدة وعلي بن الحسين بن جموية بن زيد أبو الحسين الصوفي سمع الحديث وحدث وصحب أبا الخير الأقطع وغيره وعلي ابن عيسى بن علي بن عبدالله أبو الحسن النحوي المعروف بالرماني ومولده سنة ست وتسعين ومائتين روى عن أبن دريد وغيره وله تفسير كبير ومحمد بن العباس بن أحمد بن القزاز أبو الحسن سمع الكثير وكتب الكثير وخطه حجة في صحة النقل وجودة الضبط وأبو عبيدالله محمد بن عمران المرزباني الكاتب والمحسن بن علي بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو علي التنوخي القاضي ومولده سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وكان فاضلًا‏.‏

وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي الكاتب المشهور وكان عمره إحدى وتسعين سنة وكان قد زمن وضاقت به الأمور وقلت عليه الأموال‏.‏

وفيها اشتد أمر العيارين ببغداد ووقعت الفتنة بين أهل الكرخ وأهل باب البصرة واحترق كثير من المحال ثم اصطلحوا‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وثمانين وثلاثمائة

  ذكر عود أبي علي إلى خراسان

لما عاد الأمير نوح إلى بخارى وسبكتكين إلى هراة وبقي محمود بنيسابور طمع أبو علي وفائق في خراسان فسارا عن جرجان إلى نيسابور في ربيع الأول فلما بلغ محمودًا خبرهما كتب إلى أبيه بذلك وبرز هو فنزل بظاهر نيسابور وأقام ينتظر المدد فأعجلاه فصبر لهما فقاتلاه وكان في قلة من الرجال فانهزم عنهما نحو أبيه وغنم أصحابهما منه شيئًا كثيرًا وأشار أصحاب أبي علي عليه باتباعه وإعجاله ووالده عن الجميع والاحتشاد فلم يفعل وأقام بنيسابور وكاتب الأمير نوحًا يستميله ويستقيل من عثرته وزلته وكذلك كاتب سبكتكين بمثل ذلك وأحال بما جرى على فائق فلم يجيباه إلى ما أراد‏.‏

وجمع سبكتكين العساكر فأتوه على كل صعبٍ وذلولٍ وسار نحو أبي علي فالتقوا بطوس في جمادى الآخرة فاقتتلوا عامة يومهم وأتاهم محمود بن سبكتكين في عسكر ضخم من ورائهم فانهزموا وقتل من أصحابهم خلق كثير ونجا أبو علي وفائق فقصدا أبيورد فتبعهم سبكتكين واستخلف ابنه محمودًا بنيسابور فقصدا مرو ثم آمل الشط وراسلا الأمير نوحًا يستعطفانه فأجاب أبا علي إلى ما طلب من قبول عذره إن فارق فائقًا ونزل بالجرجانية ففعل ذلك فحذره فائق وخوفه من مكيدتهم به ومكرهم فلم يلتفت لأمر يريده الله عز وجل ففارق فائقًا وسار نحو الجرجانية فنزل بقرية بقرب خوارزم تسمى هزار أس فأرسل إليه أبو عبدالله خوارزمشاه من أقام له ضيافة ووعده أنه يقصده ليجتمع به فسكن إلى ذلك‏.‏

فلما كان الليل أرسل إليه خوارزمشاه جمعًا من عسكره فأحاطوا به وأخذوه أسيرًا في رمضان من هذه السنة فاعتقله في بعض دوره وطلب أصحابه فأسر أعيانهم وتفرق الباقون‏.‏

وأما فائق فإنه سار إلى ايلك خان بما وراء النهر فأكرمه وعظمه ووعده أن يعيده إلى قاعدته وكتب إلى نوح يشفع في فائق وأن يولى سمرقند فأجابه إلى ذلك وأقام بها‏.‏

  ذكر خلاص أبي علي

لما أسر أبو علي بلغ خبره إلى مأمون بن محمد والي الجرجانية فقلق لذلك وعظم عليه وجمع عساكره وسار نحو خوارزمشاه وعبر إلى كاث وهي مدينة خوارزمشاه فحصروها وقاتلوها وفتحوها عنوةً وأسروا أبا عبدالله خورازمشاه وأحضروا أبا علي ففكوا عنه قيده وأخذوه وعادوا إلى الجرجانية واستخلف مأمون بخوارزم بعض أصحابه وصارت في جملة ما بيده وأحضر خوارزمشاه وقتله بين يدي أبي علي بن سيمجور‏.‏

  ذكر قبض أبي علي بن سيمجور وموته

لما حصل أبو علي عند مأمون بن محمد بالجرجانية كتب إلى الأمير نوح يشفع فيه ويسأل الصفح عنه فأجيب إلى ذلك وأمر أبا علي بالمسير إلى بخارى فسار إليها فيمن بقي معه من أهله وأصحابه فلما بلغوا بخارى لقيهم الأمراء والعساكر فلما دخلوا على الأمير نوح أمر بالقبض عليهم‏.‏

وبلغ سبكتكين أن ابن عزير وزير الأمير نوح يسعى في خلاص أبي علي فأرسل إليه يطلب أبا علي إليه فحبسه فمات في حبسه سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وكان ذلك خاتمة أمره وآخر حال بيت سيمجور جزاءً لكفران إحسان مولاهم فتبارك الحي الدائم الباقي الذي لا يزول ملكه‏.‏

وكان ابنه أبو الحسن قد لحق بفخر الدولة بن بويه فأحسن إليه وأكرمه فسار عنه سرًا إلى خراسان لهوىً كان له بها وظن أن أمره يخفى فظهر حاله فأخذ أسيرًا وسجن عند والده‏.‏

وأما أبو القاسم أخو أبي علي فإنه أقام في خدمة سبكتكين مدة يسيرة ثم ظهر منه خلاف الطاعة وقصد نيسابور فلم يتم له ما أراد وعاد محمود ابن سبكتكين إليه فهرب منه وقصد فخر الدولة وبقي عنده وسيرد باقي أخباره إن شاء الله تعالى‏.‏

  ذكر وفاة الصاحب بن عباد

في هذه السنة مات الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة بالري وكان واحد زمانه علمًا وفضلًا وتدبيرًا وجودة رأي وكرمًا عالمًا بأنواع العلوم عارفًا بالكتابة وموادها ورسائله مشهورة مدونة وجمع من الكتب ما لم يجمعه غيره حتى إنه كان يحتاج في نقلها إلى أربع مائة جمل‏.‏

ولما مات وزر بعده لفخر الدولة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي الملقب بالكافي‏.‏

ولما حضره الموت قال لفخر الدولة‏:‏ قد خدمتك خدمةً استفرغت فيها وسعي وسرت سيرةً جلبت لك حسن الذكر فإن أجريت الأمور على ما كانت عليه نسب ذلك الجميل إليك وتركت أنا وإن عدلت عنه كنت أنا المشكور ونسبت الطريقة الثانية إليك وقدح ذلك في دولتك‏.‏

فكان هذا نصحه له إلى أن مات‏.‏

فلما توفي أنفذ فخر الدولة من احتاط على ماله وداره ونقل جميع ما فيها إليه فقبح الله خدمة الملوك هذا فعلهم مع من نصح لهم فكيف مع غيره‏!‏ ونقل الصاحب بعد ذلك إلى أصبهان وكثير ما بين فعل فخر الدولة مع ابن عباد وبين العزيز بالله العلوي مع وزيره يعقوب بن كلس وقد تقدم‏.‏

وكان الصاحب بن عباد قد أحسن إلى القاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي وقدمه وولاه قضاء الري وأعمالها فلما توفي قال عبد الجبار‏:‏ لا أرى الترحم عليه لأنه مات عن غير توبة ظهرت منه فنسب عبد الجبار إلى قلة الوفاء‏.‏

ثم إن فخر الدولة قبض على عبد الجبار وصادره فباع في جملة ما باع ألف طيلسان وألف ثوب صوف رفيع فلم لا نظر لنفسه وتاب عن أخذ مثل هذا واذخاره من غير حله ثم إن فخر الدولة قبض على أصحاب ابن عباد وأبطل كل مسامحة كانت منه وقرر هو ووزراؤه المصادرات في البلاد فاجتمع له منها شيء كثير ثم تمزق بعد وفاته في أقرب مدة وحصل بالوزر وسوء الذكر‏.‏

  ذكر إيقاع صمصام الدولة بالأتراك

في هذه السنة أمر صمصام الدولة بقتل من بفارس من الأتراك فقتل منهم جماعة وهرب الباقون فعاثوا في البلاد وانصرفوا إلى كرمان ثم منها إلى بلاد السند واستأذنوا ملكها في دخول بلاده فأذن لهم وخرج إلى تلقيهم ووافق أصحابه على الإيقاع بهم فلما رآهم جعل أصحابه صفين فلما حصل الأتراك في وسطهم أطبقوا عليهم وقتلوهم فلم يفلت منهم إلا نفر جرحى وقعوا بين القتلى وهربوا تحت الليل‏.‏

  ذكر وفاة خواشاذه

في هذه السنة توفي أبو نصر خواشاذه بالبطائح وكان قد هرب إليها بعد أن قبض وكاتبه بهاء الدولة وفخر الدولة وصمصام الدولة وبدر بن حسنويه كل منهم يستدعيه ويبذل له ما يريده وقال له فخر الدولة‏:‏ لعلك تسيء الظن بما قدمته في خدمة عضد الدولة وما كنا لنؤاخذك بطاعة من قدمك ومناصحته وقد علمت ما عملته مع الصاحب بن عباد وتركنا ما فعله معنا‏.‏

فعزم على قصده فأدركه أجله قبل ذلك وتوفي وكان من أعيان قواد عضد الدولة‏.‏

  ذكر عود عسكر صمصام الدولة إلى الأهواز

في هذه السنة جهز صمصام الدولة عسكره من الديلم وردهم إلى الأهواز مع العلاء بن الحسن واتفق أن طغان نائب بهاء الدولة بالأهواز توفي وعزم من معه من الأتراك على العود إلى بغداد وكتب من هناك إلى بهاء الدولة بالخبر فأقلقه ذلك وأزعجه فسير أبا كاليجار المرزبان بن شهفيروز إلى الأهواز نائبًا عنه وأنفذ أبا محمد الحسن بن مكرم إلى الفتكين وهو برامهرمز قد عاد من بين يدي عسكر صمصام الدولة إليها يأمره بالمقام بموضعه فلم يفعل وعاد إلى الأهواز فكتب إلى أبي محمد بن مكرم بالنظر في الأعمال وسار بعدهم بهاء الدولة نحو خوزستان فكاتبه العلاء وسلك طريق اللين والخداع‏.‏

ثم سار على نهر المسرقان إلى أن حصل بخان طوق ووقعت الحرب بينه وبين أبي محمد بن مكرم والفتكين وزحف الديلم بين البساتين حتى دخلوا البلد وانزاح عنه ابن مكرم والفتكين وكتبا إلى بهاء الدولة يشيران عليه بالعبور إليها فتوقف عن ذلك ووعدهما به وسير إليهما

ثمانين غلامًا من الأتراك فعبروا وحملوا على الديلم من خلفهم فأفرج لهم الديلم فلما توسطوا بينهم أطبقوا عليهم فقتلوهم‏.‏

فلما عرف بهاء الدولة ذلك ضعفت نفسه وعزم على العود ولم يظهر ذلك فأمر بإسراج الخيل وحمل السلاح ففعل ذلك وسار نحو الأهواز يسيرًا ثم عاد إلى البصرة فنزل بظاهرها‏.‏

فلما عرف ابن مكرم خبر بهاء الدولة عاد إلى عسكر مكرم وتبعهم العلاء والديلم فأجلوهم عنها فنزلوا براملان بين عسكر مكرم وتستر وتكررت الوقائع بين الفريقين مدةً‏.‏

وكان بيد الأتراك أصحاب بهاء الدولة من تستر إلى رامهرمز ومع الديلم منها إلى أرجان وأقاموا ستة أشهر ثم رجعوا إلى الأهواز ثم عبر بهم النهر إلى الديلم واقتتلوا نحو شهرين ثم رحل الأتراك وتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط فكف عنهم وأقام بعسكر مكرم‏.‏

  ذكر حادثة غريبة بالأندلس

في هذه السنة سير المنصور محمد بن أبي عامر أمير الأندلس لهشام المؤيد عسكرًا إلى بلاد الفرنج للغزاة فنالوا منهم وغنموا وأوغلوا في ديارهم وأسروا غرسية وهو ملك للفرنج ابن ملك من ملوكهم يقال له شانجة وكان من أعظم ملوكهم وأمنعهم وكان من القدر أن شاعرًا للمنصور يقال له أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي قد قصده من بلاد الموصل وأقام عنده وامتدحه قبل هذا التاريخ فلما كان الآن أهدى أبو العلاء إلى المنصور أيلًا وكتب معه أبياتًا منها‏:‏ يا حرز كلّ مخوّفٍ وأمان كلّ مشرّدٍ ومعزّ كلّ مذلّل جدواك إن تخصص به فلأهله وتعمّ بالإحسان كلّ مؤمّل يقول فيها‏:‏ مولاي مؤنس غربتي متخطّفي من ظفر أيّامي ممنّع معقلي عبدٌ رفعت بضبعه وغرسته في نعمةٍ أهدى إليك بأيّل سمّيته غرسيّة وبعثته في حبله ليتاح فيه تفاؤلي فلئن قبلت فتلك أسنى نعمةٍ أسدى بها ذو نعمةٍ وتطوّل فسمى هذا الشاعر الأيل غرسية تفاؤلًا بأسر ذلك غرسية فكان أسره في اليوم الذي أهدى فيه الأيل فانظر إلى هذا الاتفاق ما أعجبه‏.‏

في هذه السنة ورد الوزير أبو القاسم علي بن أحمد الأبرقوهي من البطيحة إلى بهاء الدولة بعد عوده من خوزستان وكان قد التجأ إلى مهذب الدولة فأرسل بهاء الدولة يطلبه ليستوزره فحضر عنده فلم يتم له ذلك فعاد إلى البطيحة وكان الفاضل وزير بهاء الدولة معه بواسط فلما علم الحال استأذن في الإصعاد إلى بغداد فأذن له فأصعد فعاد بهاء الدولة وطلبه ليرجع إليه فغالطه ولم يعد‏.‏

و في هذه السنة في ذي الحجة توفي أبو حفص عمر بن أحمد بن محمد ابن أيوب المعروف بابن شاهين الواعظ مولده في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين وكان مكثرًا من الحديث ثقةً‏.‏

وفيها في ذي القعدة توفي الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي المعروف بالدارقطني الإمام المشهور‏.‏

وفيها في ربيع الأول توفي محمد بن عبدالله بن سكرة الهاشمي من ولد علي بن المهدي بالله وكان منحرفًا عن علي بن أبي طالب عليه السلام وكان خبيث اللسان يتقى سفهه ومن جيد شعره‏:‏ في وجه إنسانةٍ كلفت بها أربعةٌ ما اجتمعن في أحد الوجه بدرٌ والصدغ غاليةٌ والرّيق خمرٌ والثّغر من برد

وفيها توفي يوسف بن عمر بن مسروق أبو الفتح القواس الزاهد في ربيع الأول وله خمس وخمسون سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وثمانين وثلاثمائة

  ذكر وفاة العزيز بالله وولاية ابنه الحاكم

وما كان من الحروب إلى أن استقر أمره في هذه السنة توفي العزيز أبو منصور نزال بن المعز أبي تميم معد العلوي صاحب مصر لليلتين بقيتا من رمضان وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر ونصف بمدينة بلبيس وكان برز إليها لغزو الروم فلحقه عدة أمراض منها النقرس والحصا والقولنج فاتصلت به إلى أن مات‏.‏

وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفًا ومولده بالمهدية من إفريقية‏.‏

وكان أسمر طويلًا أصهب الشعر عريض المنكبين عارفًا بالخيل والجوهر قيل إنه ولى عيسى بن نسطورس النصراني كتابته واستناب بالشام يهوديًا اسمه منشا فاعتز بهما النصارى وإليهود وآذوا المسلمين فعمد أهل مصر وكتبوا قصة وجعلوها في يد صورة عملوها من قراطيس فيها‏:‏ بالذي أعز إليهود بمنشا والنصارى بعيسى بن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا كشفت ظلامتي وأقعدوا تلك الصورة على طريق العزيز والرقعة بيدها فلما رآها أمر بأخذها فلما قرأ ما فيها ورأى الصورة من قراطيس علم ما أريد بذلك فقبض عليهما وأخذ من عيسى ثلاثمائة ألف دينار ومن إليهودي شيئًا كثيرًا‏.‏

وكان يحب العفو ويستعمله فمن حلمه أنه كان بمصر شاعر اسمه الحسن ابن بشر الدمشقي وكان كثير الهجاء فهجا يعقوب بن كلس وزير العزيز وكاتب الإنشاء من جهته أبا نصر عبدالله الحسين القيرواني فقال‏:‏ قل لأبي نصرٍ صاحب القصر والمتأتّي لنقض ذا الأمر انقض عرى الملك للوزير تفز منه بحسن الثناء والذكر وأعط وامنع ولا تخف أحدًا فصاحب القصر ليس في القصر وليس يدري ماذا يراد به وهو إذا ما درى فما يدري فشكاه ابن كلس إلى العزيز وأنشده الشعر فقال له‏:‏ هذا شيء اشتركنا فيه في الهجاء فشاركني في العفو عنه‏.‏

ثم قال هذا الشاعر أيضًا وعرض بالفضل القائد‏:‏

تنصّر فالتنصّر دين حقٍّ ** عليــه زماننا هذا يــدلّ

وقل بثلاثةٍ عزّوا وجلّوا ** وعطّل ما سـواهم فهو عطل

فشكاه أيضًا إلى العزيز فامتعض منه إلا أنه قال‏:‏ اعف عنه فعفا عنه‏.‏

ثم دخل الوزير على العزيز فقال‏:‏ لم يبق للعفو عن هذا معنىً وفيه غضٌّ من السياسة ونقضٌ لهيبة الملك فإنه قد ذكرك وذكرني وذكر ابن زبارج نديمك وسبك بقوله‏:‏ زبارجيٌّ نديمٌ وكلّسيٌّ وزير نعم على قدو الكلب يصلح الساجور فغضب العزيز وأمر بالقبض عليه فقبض عليه لوقته ثم بدا العزيز إطلاقه فأرسل إليه يستدعيه وكان للوزير عين في القصر فأخبره بذلك فأمر بقتله فقتل‏.‏

فلما وصل رسول العزيز في طلبه أراه رأسه مقطوعًا فعاد إليه فأخبره فاغتم له‏.‏

ولما مات العزيز ولي بعده ابنه أبو علي المنصور ولقب الحاكم بأمر الله بعهد من أبيه فولي وعمره إحدى عشرة سنة وستة أشهر وأوصى العزيز إلى أرجوان الخادم وكان يتولى أمر داره وجعله مدبر دولة ابنه الحاكم فقام بأمره وبايع له وأخذ له البيعة على الناس وتقدم الحسن ابن عمار شيخ كتامة وسيدها وحكم في دولته واستولى عليها وتلقب بأمين الدولة وهو أول من تلقب في دولة العلويين المصريين فأشار عليه ثقاته بقتل الحاكم وقالوا‏:‏ لا حاجة بنا إلى من يتعبدنا فلم يفعل احتقارًا له واستصغارًا لسنه‏.‏

وانبسطت كتامة في البلاد وحكموا فيها ومدوا أيديهم إلى أموال الرعية وحريمهم وأرجوان مقيم مع الحاكم في القصر يحرسه واتفق معه شكر خادم عضد الدولة وقد ذكرنا قبض شرف الدولة عليه ومسيره إلى مصر فلما اتفقا وصارت كلمتهما واحدة كتب أرجوان إلى منجوتكين يشكو ما يتم عليه من ابن عمار فتجهز وسار من دمشق نحو مصر فوصل الخبر إلى ابن عمار فأظهر أن منجوتكين قد عصى على الحاكم وندب العساكر إلى قتاله وسير إليه جيشًا كثيرًا وجعل عليهم أبا تميم سليمان بن جعفر بن فلاح الكتامي فساروا إليه فلقوه بعسقلان فانهزم منجوتكين وأصحابه وقتل منهم ألفا رجل وأسر منجوتكين وحمل إلى مصر فأبقى عليه ابن عمار وأطلقه استمالةً للمشارقة بذلك‏.‏

واستعمل ابن عمار على الشام أبا تميم الكتامي واسمه سليمان بن جعفر فسار إلى طبرية فاستعمل على دمشق أخاه عليًا فامتنع أهلها عليه فكاتبهم أبو تميم يتهددهم فخافوا وأذعنوا بالطاعة واعتذروا من فعل سفهائهم وخرجوا إلى علي فلم يعبأ بهم وركب ودخل البلد فأحرق وقتل وعاد إلى عسكره‏.‏

وقدم عليهم أبو تميم فأحسن إليهم وأمنهم وأطلق المحبسين ونظر في أمر الساحل واستعمل أخاه عليًا على طرابلس وعزل عنها جيش بن الصمصامة الكتامي فمضى إلى مصر واجتمع مع أرجوان على الحسن بن عمار فانتهز أرجوان الفرصة ببعد كتامة عن مصر مع أبي تميم فبلغ ذلك ابن عمار فعمل على الإيقاع بأرجوان وشكر العضدي فأخبرهما عيون لهما على ابن عمار بذلك فاحتاطا ودخلا قصر الحاكم باكين وثارت الفتنة واجتمعت المشارقة ففرق فيهم المال وواقعوا ابن عمار ومن معه فانهزم واختفى‏.‏

فلما ظفر أرجوان أظهر الحاكم وأجلسه وجدد له البيعة وكتب إلى وجوه القواد والناس بدمشق بالإيقاع بأبي تميم فلم يشعر إلا وقد هجموا عليه ونهبوا خزائنه فخرج هاربًا وقتلوا من كان عنده من كتامة وعادت الفتنة بدمشق واستولى الأحداث‏.‏

ثم إن أرجوان أذن للحسن بن عمار في الخروج من استتاره وأجراه على إقطاعه وأمره بإغلاق بابه‏.‏

وعصى أهل صور وأمروا عليهم رجلًا ملاحًا يعرف بعلاقة وعصى أيضًا المفرج بن دغفل بن الجراح ونزل على الرملة وعاث في البلاد‏.‏

واتفق أن الدوقس صاحب الروم نزل على حصن أفامية فأخرج أرجوان جيش بن الصمصامة في عسكر ضخم فسار حتى نزل بالرملة فأطاعه وإليها وظفر فيها بأبي تميم فقبض عليه وسير عسكرًا إلى صور وعليهم أبو عبدالله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدان فغزاها برًا وبحرًا‏.‏

فأرسل علاقة إلى ملك الروم يستنجده فسير إليه عدة مراكب مشحونة بالرجال فالتقوا بمراكب المسلمين على صور فاقتتلوا وظفر المسلمون وانهزم الروم وقتل منهم جمع فلما انهزموا انخذل أهل صور وضعفت نفوسهم فملك البلد أبو عبدالله بن حمدان ونهبه وأخذت الأموال وقتل كثير من جنده وكان أول فتح كان على يد أرجوان وأخذ علاقة أسيرًا فسيره إلى مصر فسلخ وصلب بها وأقام بصور وسار جيش بن الصمصامة لقصد المفرج ابن دغفل فهرب من بين يديه وأرسل يطلب العفو فأمنه‏.‏

وسار جيش أيضًا إلى عسكر الروم فلما وصل إلى دمشق تلقاه أهلها مذعنين فأحسن إلى رؤساء الأحداث وأطلق المؤن وأباح دم كل مغربي يتعرض لأهلها فاطمأنوا إليه‏.‏

وسار إلى أفامية فصاف الروم عندها فانهزم هو وأصحابه ما عدا بشارة الإخشيدي فإن ثبت في خمسمائة فارس‏.‏

ونزل الروم إلى سواد المسلمين يغنمون ما فيه والدوقس واقف على رايته وبين يديه ولده وعدة غلمان فقصده كردي يعرف بأحمد بن الضحاك من أصحاب بشارة ومعه خشت فظنه الدوقس مستأمنًا فلم يحترز منه فلما دنا منه حمل عليه وضربه بالخشت فقتله فصاح المسلمون‏:‏ قتل عدو الله‏!‏ وعادوا ونزل النصر عليهم فانهزمت الروم وقتل منهم مقتلة عظيمة‏.‏

وسار جيش إلى باب إنطاكية يغنم ويسبي ويحرق وعاد إلى دمشق فنزل بظاهرها وكان الزمان شتاء فسأله أهل دمشق ليدخل البلد فلم يفعل ونزل ببيت لهيا وأحسن السيرة في أهل دمشق واستخص رؤساء الأحداث واستحجب جماعة منهم وجعل يبسط الطعام كل يوم لهم ولمن يجيء معهم من أصحابهم فكان يحضر كل إنسان منهم في جمع من أصحابه وأشياعه وأمرهم إذا فرغوا من الطعام أن يحضروا إلى حجرة له يغسلون أيديهم فيها فعبر على ذلك برهة من الزمان فأمر أصحابه أن رؤساء الأحداث إذا دخلوا الحجرة لغسل أيديهم أن يغلقوا باب الحجرة عليهم ويضعوا السيف في أصحابهم فلما كان الغد حضروا الطعام وقام الرؤساء إلى الحجرة فأغلقت الأبواب عليهم وقتل من أصحابهم نحو ثلاثة آلاف رجل ودخل دمشق فطافها فاستغاث الناس وسألوه العفو وعفا عنهم وأحضر أشراف أهلها وقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم وسير الأشراف إلى مصر وأخذ أموالهم ونعمهم ثم مرض بالبواسير وشدة الضربان فمات‏.‏

وولي بعده ابنه محمد وكانت ولايته هذه تسعة أشهر ثم إن أرجوان بعد هذه الحادثة راسل بسيل ملك الروم وهادنه عشر سنين واستقامت الأمور على يد أرجوان‏.‏

وسير أيضًا جيشًا إلى برقة وطرابلس الغرب ففتحها واستعمل عليها أنسًا الصقلبي ونصح الحاكم وبالغ في ذلك ولازم خدمته فثقل مكانه على الحاكم فقتله سنة تسع وثمانين‏.‏

وكان خصيًا أبيض وكان لأرجوان وزير نصراني اسمه فهد بن إبراهيم فاستوزره الحاكم ثم إن الحاكم رتب الحسين بن جوهر موضع أرجوان ولقبه قائد القواد ثم قتل الحسن بن عمار المقدم ذكره ثم قتل الحسين بن جوهر ولم يزل يقيم الوزير بعد الوزير ويقتلهم‏.‏

ثم جهز يارختكين للمسير إلى حلب وحصرها وسير معه العساكر الكثيرة فسار عنها فخافه حسان بن المفرج الطائي فلما رحل من غزة إلى عسقلان كمن له حسان ووالده وأوقعا به وبمن معه وأسراه وقتلاه وقتل من الفريقين قتلى كثيرة وحصرا الرملة ونهبا النواحي وكثر جمعهما وملكا الرملة وما والاها فعظم ذلك على الحاكم وأرسل يعاتبهما وسبق السيف العذل فأرسلا إلى الشريف أبي الفتوح الحسن بن جعفر العلوي الحسني أمير مكة وخاطباه بأمير المؤمنين وطلباه إليهما ليبايعا له بالخلافة فحضر واستناب بمكة وخوطب بالخلافة‏.‏

ثم إن الحاكم راسل حسانًا وأباه وضمن لهما الإقطاع الكثيرة والعطاء الجزير واستمالهما فعدلا عن أبي الفتوح ورداه إلى مكة وعادا إلى طاعة الحاكم‏.‏

ثم إن الحاكم جهز عسكرًا إلى الشام واستعمل عليهم علي بن جعفر بن فلاح فلما وصل إلى الرملة أزاح حسان بن الفمرج وعشيرته عن تلك الأرض وأخذ ما كان له من الحصون بجبل الشراة واستولى على أمواله وذخائره وسار إلى دمشق واليًا عليها فوصل إليها في شوال سنة وأما حسان فإنه بقي شريدًا نحو سنتين ثم أرسل والده إلى الحاكم فأمنه وأقطعه فسار حسان إليه بمصر فأكرمه وأحسن إليه وكان المفرج والد حسان قد توفي مسمومًا وضع الحاكم عليه من سمه فبموته ضعف أمر حسان على ما ذكرناه‏.‏